تلفزيون الواقع وخلق الأيقونات: كيف تغيرت معاني الشهرة؟#تلفزيون #الواقع #وخلق #الأيقونات #كيف #تغيرت #معاني #الشهرة

#تلفزيون #الواقع #وخلق #الأيقونات #كيف #تغيرت #معاني #الشهرة
يدخل شاب عادي أحد برامج تلفزيون الواقع، فيخرج منه نجماً يتابعه الملايين. مشهد أصبح مألوفاً في عصرنا الحديث. غيّرت برامج الهواة وتلفزيون الواقع مفهوم النجومية وصناعة الأيقونات الإعلامية جذرياً؛ فلم يعد الوصول إلى الشهرة مقتصراً على أصحاب المواهب الاستثنائية أو المسيرة الفنية الطويلة فحسب، بل بات متاحاً لأيّ شخصية قادرة على كسب انتباه الجمهور. أسرة كارداشيان الأميركية تحوّلت إلى ظاهرة عالمية عبر برنامج “Keeping Up with the Kardashians”. يبلغ مجموع متابعي أفرادها على منصة “إنستغرام” أكثر من 1.2 مليار شخص، واستغلّت بعضهنّ الشهرة لدخول عالم رادة الأعمال، ما يعكس مدى النفوذ الذي حققته عبر تلفزيون الواقع والإعلام الرقمي. وعربيّاً، اجتاحت برامج مثل “ستار أكاديمي” و”سوبر ستار” – لاحقاً “آراب آيدول” – الشاشات ابتداءً من مطلع الألفية، وغيرت مشهد النجومية المحلي. نجاح هذه النماذج يدفعنا للسؤال: كيف تُصنع الأيقونة؟ وما أثر هذه الظاهرة على الشباب وثقافة الشهرة لدينا؟ الكارداشيانز نجمات تلفزيون الواقع. تلفزيون الواقع وصناعة الأيقونة من خلال شاشة يشاهدها عشرات الملايين حول العالم، يمكن لموهبة مغمورة أن تتحول إلى حديث الساعة، وبرنامج “أميركان آيدول” قدّم نموذجاً مبكراً على ذلك، إذ خرّج مغنّين مغمورين أصبحوا نجوماً عالميين. بلغ عدد مشاهدي البرنامج بذروةٍ شعبيتهٍ نحو 30 مليون مشاهد للحلقة الواحدة، وبذلك تكون تلك البرنامج معاملاً لتفريخ نجوم يتابعهم جمهور بحجم دولة. أما ظاهرة كارداشيان فتوضح كيف يمكن لتحويل الحياة الشخصية إلى عرض تلفزيوني أن يصنع شهرة دائمة: فقد تمكّنت العائلة خلال 14 عاماً من إعادة تشكيل ثقافة المشاهير بالكامل، إذ تحوّل كلّ فرد منها إلى علامة تجارية شخصية، واستمرت العائلة ككلّ في دائرة الضوء الإعلامي عبر استراتيجيات مدروسة تستثمر كل تفصيل من حياتها اليومية. لجنة تحكيم “أراب أيدل“. لا مبالغة بالقول إنّ الأيقونة المعاصرة لا تُبنى على الإنجاز الفني فقط، بل أيضاً على عامل القرب والتفاعل مع الجمهور. وتؤدّي آليات الإنتاج التلفزيوني دوراً جوهرياً في تصنيع الصورة العامة للنجم الواقعّي. بذلك، تُشبه صناعة الأيقونة مزيجاً من قصة جذابة على الهواء، وشخصية كاريزمية أو غريبة، وتضخيم درامي مدروس للأحداث، ثم دعم إعلامي متواصل بعد البرنامج. وهكذا، يولد “النجم” بمفهوم جديد قوامه الشهرة الجماهيرية السريعة والتفاعل المباشر مع المعجبين. تحوّل مفهوم النجومية جاءت نقطة التحول في صناعة النجم عربياً مع إطلاق برامج الهواة الغنائية في أوائل الألفية: “سوبر ستار” عام 2003 (أول نسخة عربية من فورمات Pop Idol العالمي)، ثم “ستار أكاديمي” المُعرَّب أيضاً في العام نفسه. نموذجان من برامج أدخلت الجمهور العربي في تجربة جديدة. ملايين المشاهدين يصوّتون عبر الرسائل النصية لدعم هواة مغمورين. شابات وشبان من دول عربية مختلفة يصبحون حديث الشارع العربي كله، وتتحول قصصهم الشخصية والفنية إلى شأن عام. هوس المشاهير والصحة النفسية. لعلّ المثال الأبرز هو قصة الشاب الفلسطيني محمد عسّاف الذي انطلق من مخيم للاجئين في غزة وسافر بصعوبة للمشاركة في برنامج “آراب آيدول” ممثلاً لفلسطين، فإذا بـ”أول سوبرستار لفلسطين” يولد. احتفل مئات الآلاف بفوزه في مشاهد مهيبة عمّت شوارع غزة والضفة الغربية، واعتُبر أيقونة للشباب الفلسطيني. وبشكل مماثل، أفرز برنامج “ستار أكاديمي” عدداً من النجوم الشباب من بلدان مختلفة، مثل السعودي هشام الهويش، اللبناني جوزف عطية، العراقية المغربية شذى حسون، والسوري ناصيف زيتون، وغيرهم. وبهذا، انفتح المجال أمام مواهب من خلفيات اجتماعية عادية للصعود بسرعة إلى قمة المشهد الفني والإعلامي، في ظاهرة لم تكن بالسهولة والسرعة نفسيهما قبل عصر الفضائيات وتلفزيون الواقع. من يصنع الأيقونة؟ يشير الكاتب والمخرج السينمائي محمد سويد إلى أنّ تعبير “الأيقونة” بدأ يُستخدم مؤخراً، لكن في السابق كان يُستخدم مصطلح “الإيدول” والذي تُرجم لدينا بـ”أنصاف الآلهة”. “في الواقع، لم نعرف بنية هذا النظام كما نشأ أساساً، لا سيما في الفترة التي بدأت فيها السينما عالمياً، وتحديداً في الولايات المتحدة، التي كانت الدولة الوحيدة التي نجحت في تحويل السينما إلى صناعة متكاملة”، يقول سويد لـ”النهار”، شارحاً أنّه “حتى النجم كان جزءاً من هذه الصناعة التي تبدأ من الاستوديو. كان هناك نوع من التنظيم الهيكلي (Organigram) للأدوار والمهام، ومن ضمنه كان ما يُعرف بصناعة النجم”. فيفيان لي نجمة هوليوود القديمة. هذه الصناعة تبدأ من لحظة دخول الممثل أو المغنّي إلى عالم السينما، وكان أول ما يُفرض عليه عادة هو تغيير اسمه، بحيث يُختار له اسم يتناسب مع الصورة التي يُراد تسويقها. ويشرح سويد أنّ النجم، بهذا المعنى، “كان يُعدّ ملكية خاصة للاستوديو، إذ يُبرم معه عقد يمتدّ لسنوات محددة، وكان من الصعب عليه الانتقال إلى استوديو آخر بسبب الشروط الصارمة”. بالنسبة إليه، “الأهم كان كيفية جعل الجمهور يتماهى مع الشخصية. لذا كان هناك تصنيف واضح للأدوار والشخصيات: فهذه الممثلة تُناسب أدوار الإغراء، وتلك للرومانسية، وأخرى للكوميديا… حتى لون الشعر كان له دلالة، فالشعر الأشقر آنذاك كان يرمز إلى الشر أو إلى قوة الإغراء. وبعض الممثلين حُصروا في أدوار نمطية، كأدوار من نوع “ألف ليلة وليلة”، وغير ذلك”. إذاً، لم تكن هذه المنظومة عشوائية، بل كانت نتيجة تفكير عقلاني وتنظيم دقيق. هذا النظام استمر لفترة كانت خلالها الاستوديوهات تسيطر بشكل كامل على الإنتاج وعلى مَن يعمل فيه، فكان لها الكلمة الفصل في صناعة النجم، الكاتب، وحتى المنتج. لكن مع مرور الوقت، تغيّر هذا الوضع؛ ويذكر سويد أنّ “الأمر تغيّر لمّا بدأ تفكيك احتكار الاستوديوهات، وظهر التلفزيون، ومع العصر الحديث، أصبح النجم هو من يصنع أيقونته بنفسه، وليس الاستوديو. وأعتقد أنّ هذا التحول جاء نتيجة لتحرر العاملين في السينما من قبضة الاستوديوهات، فأصبح النجم يُشارك في الإنتاج، ويضع شروطه، بل ويفرض شكله وصورته على الشاشة”. ويضيف: “أما في العالم العربي، فلم نعش تجربة صناعة “الأيقونة” كما حدث في هوليوود. فعندنا، لم يكن الجمهور هو من يصنع الأيقونة، بل صاحب الاسم نفسه، أي الفنان”. ويضيف: “أقصد أنّ السينما وصناعة الموسيقى في عالمنا العربي لم تمرّ بمراحل النضج والتطور التي مرّت بها في أماكن أخرى، ولذلك لم نحظَ بصناعة نجم حقيقية كما في الغرب”.