منوعات

محمود درويش من غزة | يوسف أبو لوز#محمود #درويش #من #غزة #يوسف #أبو #لوز

37views
Trip.com WW

#محمود #درويش #من #غزة #يوسف #أبو #لوز

ماذا كان سيكتب محمود درويش، الذي رحل عن هذه الفانية في ٢٠٠٨/٨/٩، عن غزة، لو كان عاش سنوات أخرى فقط، رأى خلالها ما لا يُرى لشاعر غيره، وقد ضبط ساعته دائماً على زمنه الشعري الذي يشبهه وحده؟ هل كان سيكتب رثائية غنائية طويلة على طريقته حين كان في بيروت، أو خرج منها على باخرة وهو يقول «بيروت خيمتنا الأخيرة»، أم كان سيكتب مثلما كتب عن مخيم صبرا:«صبرا تقاطع شارعين على جسد»، أم كان سيكتب مثلما كتب عن تل الزعتر، وبالحبر الغنائي الجريح نفسه، أم كان سيكتب عن غزة جدارية موت جديدة قائمة على أسطورة الجوع والعطش اللذين يجعلان الإنسان أكثر جمالاً وهو معفّر الوجه بالطحين ومرقع الثياب بالدم، أم كان سيكتب هذه المرّة «قطاعية» شعرية تشبه القطاع المنكوب بالطول على ضلع البحر الأبيض المتوسط، أم كان سيصمت، لأنه يبحث عن شكل شعري جديد خارج الرثاء، وخارج الغناء، كما لو أن اللغة أقل من غزة أو أن غزة كثيرة على الشعر، وهي تكتب ملحمتها العوليسية الجديدة بنفسها، بأطفالها ونسائها، من دون حاجة إلى قصائد، ومن دون حاجة إلى شعراء.ماذا كان سيكتب صاحب «سجّل أنا عربي»، و«أحبك أو لا أحبك» و«لما تركت الحصان وحيداً؟»، و«سرير الغريبة»؟ هل كان سيخرج على كل هذه الصيغ الأدبية الجمالية، ويبحث عن لغة أخرى مشتقة هذه المرّة من الخبز هو الذي كان يقول: «إنّا نحب الوردَ لكنّا نحب الخبز أكثر»، أم كان سيبحث عن لغة مولودة من الماء هو الذي كان يقول: «أحب البحار التي سأحب، ولكن قطرة ماءٍ بمنقار قُبّرة في حجارة حيفا، تعادل كل البحار»؟ لم يحضر محمود درويش في الذاكرة الشعرية والثقافية العربية مثلما هو حاضر اليوم، وبعد سبعة عشر عاماً على رحيله، وبهذا التكثيف الوجداني الذي يشبه غنائيته الجريحة دائماً وفي كل شعره الذي أصبح تاريخاً أدبياً لفلسطين، بل أصبح تاريخاً ثقافياً ووجدانياً لبلاد عرفها العالم من خلال الشعر والفن والزيت والزعتر وخيط التطريز والكوفية المرقطة، أكثر مما عرفها من خلال السياسة، والسياسيين، وتجّار التنظيمات وبيّاعي الشعارات الأيديولوجية والكذب العقائدي، وغير ذلك من لغة منافقة انقسامية حتى المرارة، ومكررة حدّ طعم القطران.بعد خروجه من فلسطين، وبعد دخوله الوجودي الأبدي في الشعر لم ينخرط محمود درويش في أي تنظيم سياسي أو غير سياسي، ولم يشارك في لعبة شدّ الحبال بين هذا الفصيل أو ذاك، ولم تكن المنظمة واستقطاباتها وامتيازاتها تشكل غنيمة سياسية أو مادية أو فكرية بالنسبة إليه، ولذلك، هرب بلباقة من موقع الجذب السياسي إلى جاذبية الشعر، أو لنقل جاذبية فلسطين، كل فلسطين، فلم يضع رجلاً في غزة، وأخرى في رام الله، ولم تكن قصيدته قصيدة «رفع عتب» أو فاتورة أو مسح جوخ أو دعاية، أو مرافعة، أو مظاهرة.لذلك، هذا العام الغزّيّ أو الزمن الغزّي سمّه ما شئت هو زمن محمود درويش الصّافي المصفى كلياً من أي محمول سياسي مهما كان. [email protected]

Trip.com WW

Trip.com WW

Leave a Response