منوعات

كيف تصدى الرد الإيراني للحدث غير المتوقع#كيف #تصدى #الرد #الإيراني #للحدث #غير #المتوقع

10views
Trip.com WW

#كيف #تصدى #الرد #الإيراني #للحدث #غير #المتوقع

    عمان ـ “رأي اليوم” ـ زياد فرحان المجالي: في خضم التصعيد الإقليمي الأخير، أطلقت إسرائيل على هجومها الجوي ضد المنشآت النووية الإيرانية اسمًا رمزيًا لافتًا: عملية “الأسد الصاعد”. عنوان يوحي بالقوة والانقضاض، لكنه مع مرور الأيام، كشف عن حقيقة مختلفة تمامًا: أسدٌ انطلق سريعًا… ثم انكفأ تحت وطأة الرد، وفقد زمام المبادرة. لكنّ الاسم العبري الحقيقي للعملية لم يكن “الأسد الصاعد”، بل اقتباسًا توراتيًا جاء تحت عنوان: “עם לביא יקום” (شعب كلبوة يقوم)، وهو مأخوذ من سفر العدد، الإصحاح 23، الآية 24، التي تقول: “هو ذا شعب يقوم كلبوة ويرتفع كأسد ولا ينام حتى يأكل فريسة ويشرب دم قتلى.” وقد قامت بعض وسائل الإعلام بترجمة فضفاضة وغير دقيقة للاسم، فظهرت التسمية إعلاميًا تحت عنوان “الأسد الصاعد”، رغم أن المعنى التوراتي يشير إلى صورة أكثر توحشًا وافتراسًا، لا مجرد نهوض أو صعود. ووفقًا لتقرير رسمي صادر عن وزارة الدفاع الأميركية، فإن الضربات الجوية التي نُفذت بالتنسيق مع إسرائيل لم تُحقق هدفها الاستراتيجي المعلن، بل أدت فقط إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لمدة تتراوح بين سنة وسنتين. هذا التقييم، كما أشار المتحدث العسكري الأميركي، يُعد إنجازًا تكتيكيًا محدودًا لا يُغير في موازين الردع أو مستقبل البرنامج النووي الإيراني على المدى الطويل. الأسطورة تتصدع تحت الأرقام إسرائيل، بعد 12 يومًا من العمليات، سارعت إلى إعلان “النجاح”، مدعية أنها أصابت أهدافًا نوعية وحققت تفوقًا استخباراتيًا وجويًا. إلا أن تقارير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية (DIA) وصفت التأثير بأنه محدود، فيما أكدت تقارير لاحقة للبنتاغون أن الأثر كان مؤقتًا لا يتعدى عامين على أقصى تقدير، وهو تأخير لا يُعيد البرنامج الإيراني إلى نقطة الصفر. هذا التفاوت بين الرواية الإسرائيلية والرؤية الغربية أثار تساؤلات داخل أروقة القرار في واشنطن وتل أبيب، وأعاد طرح سؤال: من يملك حقًا أدوات التأثير الاستراتيجي في الشرق الأوسط؟ الرد الإيراني يقلب المعادلة بعيدًا عن التصريحات، كانت الضربات الإيرانية المضادة أكثر إيلامًا مما توقعت إسرائيل. استهدفت منشآت جوية وأمنية حساسة، وتسببت في إرباك القيادة العسكرية، وسط فشل جزئي للقبة الحديدية في اعتراض بعض الصواريخ والمسيرات. أقمار صناعية تابعة لشركات أوروبية وأميركية وثّقت حركة نزوح داخلي واسع، وإخلاء منشآت عسكرية قرب حيفا والنقب. صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” المقرّبة من الحكومة الإسرائيلية اعترفت بأن حجم الخسائر فاق التوقعات، فيما لجأ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وفق ما كشفه دونالد ترامب لاحقًا، إلى الوساطة القطرية لتفادي تصعيد أكبر، وصفه الرئيس الأميركي السابق بأنه “كان يقترب من الجنون الكامل”. حين تفقد إسرائيل المبادأة بحسب تقارير استخباراتية روسية تداولتها مراكز تحليل غربية، فإن دقة الضربات الإيرانية ضد مواقع قيادية إسرائيلية، واستخدام توقيتات محددة، يشير إلى وجود اختراق أمني عميق في الأجهزة الإسرائيلية، وهو ما شكل صدمة داخل المؤسسة الأمنية في تل أبيب. وفي تحليل هذه التطورات، يتضح أن إسرائيل فقدت عنصر المبادأة، ليس فقط ميدانيًا بل سياسيًا واستراتيجيًا، بعد أن كانت المبادِرة والمتحكّمة بنمط التصعيد. إيران لا تقاتل وحدها: شبكة الحرب المتعددة بحسب تقارير صادرة عن معاهد غربية مثل مركز ستوكهولم لأبحاث السلام ومؤسسة راند، فإن إيران لم ترد وحدها، بل حرّكت “شبكة كاملة من الردع”: حزب الله، رغم عدم دخوله المباشر، رفع منسوب التوتر على الحدود الشمالية، وأبقى الجبهة مستنفرة. حماس والجهاد الإسلامي، فتحوا جبهة غزة، وشكلوا عامل ضغط ميداني ساهم في تشتيت الجهد العسكري الإسرائيلي. الحوثيون استهدفوا خطوط الملاحة في البحر الأحمر، ما اضطر القوات الأميركية لتغيير تموضعها. سوريا، رغم تراجع دورها التقليدي، استخدمت كموقع لإطلاق مسيرات ورسائل استراتيجية، عبر الجبهة الجنوبية ومطار دمشق. هذه الشبكة لم تكن هامشية، بل شكّلت عمقًا ميدانيًا لاستراتيجية الردع الإيرانية، ما جعل المعركة متعددة الاتجاهات، وفرض على إسرائيل قتالًا على أكثر من رقعة في الوقت ذاته. ما بعد “الأسد الصاعد”: كلفة التفوق ووهم الردع بعد كل هذا، فإن التقييم الأعمق لا يقف عند حدود المنشآت المتضررة أو عدد الطلعات الجوية، بل عند التحولات التي طرأت على معادلة الردع الإسرائيلية. إسرائيل اليوم تواجه خصمًا يرد من أكثر من جبهة، بدقة، وبثقة، ويعرف متى يضغط وأين. إنها المرة الأولى منذ عقود التي تجد فيها تل أبيب نفسها في موقع دفاعي واسع بهذا الشكل، من دون غطاء أميركي قادر على تغيير قواعد اللعبة، ومن دون قدرة على هندسة الردّ أو احتواء نتائجه. في المقابل، واشنطن التزمت ضبط النفس، وفضلت التوصيف “التكتيكي” لما جرى، في محاولة لتجنّب الانجرار إلى مواجهة مفتوحة قد تتدحرج إقليميًا. أما نتنياهو، فخرج من المعركة بضرر مزدوج: تراجع صورته في الداخل الإسرائيلي كقائد حازم، وتعري وضع إسرائيل الإقليمي كقوة تفقد زمام المبادرة تدريجيًا. عملية “الأسد الصاعد”، التي أرادتها إسرائيل بداية لتأسيس معادلة ردع جديدة، قد تُسجل لاحقًا كبداية انهيار تلك المعادلة نفسها. فالضربة لم تحقق مكاسب دائمة، والرد الإيراني كسر صورة التفوق الإسرائيلي الصلب. الشرق الأوسط ما بعد هذه العملية مختلف: خريطة الردع أصبحت أكثر تعقيدًا، وإسرائيل لم تعد وحدها من يقرر قواعد الاشتباك.

Trip.com WW

Trip.com WW

Leave a Response