منوعات

عندما يتجاهل الإنسان واقع انتحار الكائنات الأخرى#عندما #يتجاهل #الإنسان #واقع #انتحار #الكائنات #الأخرى

8views
Trip.com WW

#عندما #يتجاهل #الإنسان #واقع #انتحار #الكائنات #الأخرى

الإنسان يتوهم امتلاك الحزن، وكأن الألم حكرٌ عليه، يخترع مفردات مثل (الانتحار) ليعطي لحزنه لقباً نبيلاً أو نهايةً درامية! لكنه حين يرى حيواناً يرفض الطعام بعد فقد رفيقه، أو يقفز إلى البحر بلا عودة، يكتفي بالقول: (خلل سلوكي). الإنسان لا يحتمل أن ينافسه كائن آخر في امتلاك اليأس. هل تنتحر الحيوانات؟ أم أن السؤال نفسه محاولة فاشلة لإسقاط عقد الإنسان على كائنات لا تشبهه؟ وماذا لو كانت بعض المخلوقات تمارس الانسحاب من الحياة بشكل لا ندركه، فقط لأنه لا يُشبه انتحارنا… هل يكون أقل صدقاً؟ أقل وجعاً؟ لا أحد رأى دمعة الدولفين وهي تنزف في الماء، ولا أحد يسمع صمت الفيلة حين تبتعد لتدفن نفسها حيّة في التراب، ولا أحد يريد أن يعترف بأن الطبيعة قد تنتج أحزاناً لا تُترجم إلى صراخ. الحيوان لا يكتب رسائل وداع، لكنه ينسحب. يتوقف عن الأكل. يحدّق في اللاشيء. يرفض التزاوج. يبتعد عن القطيع. يدخل في الفراغ. أليست هذه علامات انهيار؟ أم أن الوعي – في نظر الإنسان – لا يُحتسب إن لم يكن بالكلمات؟ أحياناً تموت الكلاب بعد صاحبها بأيام. تموت ببطء، بلا جروح، بلا سم، بلا عنف خارجي. تموت لأنها لا تريد أن تعيش. كيف نسمّي ذلك؟ حبّاً؟ وفاءً؟ حزناً؟ أم انتحاراً صامتاً يُربك كل المعاجم؟ أليست هذه الكلمة نفسها – (انتحار) – ثقيلة، متعجرفة، وكأنها تتطلب نوعاً من الدراما الكلامية كي نعترف بها؟ لكن ما أخفاه الصمت، هل يصبح أقل صدقاً؟ في حكاية قديمة نُقلت عن صيادي البحر في اليابان، قيل إن بعض الدلافين كانت ترتمي على الشاطئ طوعاً. في كل مرة يُعاد إرجاعها إلى البحر، تعود إلى الموت بإصرار. قالوا إن الأم ماتت، وإن القطيع ضاع، وإن الحيوان الحزين لا يريد النجاة. لم يكن هناك جرح، ولا تسمم، فقط الرغبة الغامضة في النهاية. هل كان هذا انتحاراً؟ أم شكلاً من أشكال التوحد مع الغياب؟ منذ سنوات، سجّل باحثون في معهد فرنسي حالة قرد شمبانزي أنثى، دخلت في حداد بعد وفاة صغيرها، ثم جلست لأيام في نفس المكان، ترفض الطعام والاقتراب، حتى غرقت في نوم أبدي دون مرض عضوي. الطبيب البيطري كتب في التقرير: لا يوجد تفسير طبي للوفاة، فقط الحزن، لكن العلم لا يكتب (انتحار) في ملف شمبانزي. العلم يخجل من أن يضع الحيوان في قائمة الذين يُنهون حياتهم بإرادة. العلم لا يحبّ الغموض. لكن من قال إن الحيوانات بلا إرادة؟ من قرّر أن الإدراك لا يُحتسب إلا إذا صيغ في جملة نحوية؟ إن نظرنا في عيني قطة تودع صغيرها الميت، سنجد شيئاً لا يقل عن المأساة. إن شاهدنا الغزال يتوقف عن الركض بعد أن يرى أنثاه تُفترس، ويركع مستسلماً بالرغم من أنه قادر على الفرار، سنفهم أن بعض الكائنات تختار أن لا تبقى. إذاً لماذا نتحاشى الكلمة؟ لماذا نخاف أن نقول: هذا الحيوان… انتحر؟ ربما لأن الاعتراف بانتحار الحيوان يعني أن الحزن ليس ميزة بشرية، وأن العالم الطبيعي أكثر تعقيداً مما نحتمل. ربما لأننا، في أعماقنا، نخشى أن نكون أقل وعياً ممن لا يتكلم. الحيوان الذي يختار الموت قد يكون أكثر صدقاً من الإنسان الذي يمثل الحياة وهو يحتضر داخلياً كل يوم. في الغابات، هناك نمور تختفي فجأة وتموت وحدها. النسور التي لا تجد طعاماً لا تصرخ، بل تحلق عالياً ثم تترك أجنحتها لتفعل ما لا يُقال. هناك أرانب تدخل جحرها وتمتنع عن الخروج، ليس لأن مفترساً في الخارج، بل لأن مفترساً في الداخل اسمه الخواء. الموت ليس دائماً بسبب العنف. أحياناً، يكون الحزن وحده قاتلاً متقناً، والحيوان الذي لا يمتلك لغة نكتبها، يمتلك ألف لغة لا نفهمها. ربما ينهار بصمت، أو يذبل، أو يتلاشى. وربما – وهو الأرجح – لا ينتحر لأنه يائس، بل لأنه فهم أن الحياة ليست فرضاً أبدياً، بل خيار… خيار لا يُلزم جميع المخلوقات بالبقاء. لكن لنتوقف قليلاً. هل نُسقط على الحيوان مفاهيمنا البشرية؟ وهل نُحمّله ما لا يطيق من دراما الإنسان؟ لا شيء أكيد. لكن من قال إن اليقين مطلوب في عالمٍ مليء بالرماد؟ لعلنا لا نحتاج أن نُسمّي كل شيء كي نفهمه. أحياناً، يكفي أن ننظر إلى حيوان يحتضر من أجل فكرة، من أجل آخر، من أجل فقد… كي ندرك أن الحياة ليست دائماً مربوطة بالنبض. الفلاسفة لم يحسموا يوماً إن كان الوعي شرطاً للانتحار، أو إن كان الانتحار تعبيراً عن فشل الوعي. لكن الحيوانات لا تنتظر فلسفة. تموت حين تشاء، بلا إعلان، بلا خطابات. ولعلها تفعل ما لا نجرؤ نحن عليه: تنسحب عندما لا يعود في البقاء معنى. ربما لا تنتحر الحيوانات بنفس طريقة الإنسان… لكنها بالتأكيد تحزن. تتألم. تُفجَع. وتختار النهاية بطريقتها الخاصة! أحياناً يكون السكوت عن الحياة أبلغ من الصراخ من أجلها، وأحياناً تكون النهاية فعل وعي لا نستوعبه لأننا مشغولون فقط بمنطق اللغة. حين يحزن الحيوان حتى الموت، لا تسأله عن السبب. لا تطلب منه ورقة وداع. فقط راقبه بصمت… فربما ستفهم أن في الغابات، كما في المدن، هناك قلوب تنكسر، وأرواح ترفض البقاء… ولو بلا كلمات.

Trip.com WW

Trip.com WW

Leave a Response