#عزة #النفس #قيمة #لا #تقدر #بثمن
بقلم ـ فاطمة محمد مبارك
قالت العرب : “عزّة النفس تُضاهي جاه الملوك”. جملة تختصر فلسفة كاملة عن معنى الكرامة الإنسانية،فالعزة إدراك داخلي لقيمة الذات ووعي متجذر بأن الإنسان لا يُقاس بما يملك، بل بما يحفظه من كرامة واستقلال ،إنّ عزة النفس إحدى القيم الجوهرية التي تُعيد صياغة علاقة الفرد بنفسه أولاً، ثم بمجتمعه ثانيًا ،ترفع الإنسان فوق منطق التبعية، وتجعله يتعامل مع الآخرين على أساس الاحترام والندية ،إذ لا حرية بلا كرامة، ولا كرامة بلا عزة نفس.
اليوم، في زمن طغت فيه الأضواء المصطنعة، مشاهد الحياة اليومية تكشف إننا نشهد انزياح مؤلم من عمق المعنى إلى سطح البريق، ومن جوهر الكرامة إلى قشرة المظاهر
حين نتأمل المشهد الاجتماعي الراهن، نجد بعض المناسبات تحولت إلى منصات استعراض ,سيارات فارهة مصطفة، هدايا مالية مبالغ فيها تُعرض أمام الكاميرات، ازدحام بالمئات حول قاعات زواج المشاهير، وولائم تفوق الحاجة بأضعاف مضاعفة، لينتهي الأمر إلى هدر النعمة وتشويه معنى الاحتفال ,بل إن بعض “الهدايا” الضخمة التي يتباهى بها العرسان لا تعدو كونها تمثيليات عابرة تعاد بعد انفضاض الحفل، فأي قيمة للاحتفال إذا فرغ من المعنى، وتحول إلى سباق في التباهي والمظاهر؟
الأمر لا يتوقف عند الاحتفالات وحدها، بل يمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية: ازدحام مذلّ في مواسم التخفيضات، تهافت غير واع حول حوادث السير، احتشاد افتراضي حول “ترندات” فارغة على المنصات الرقمية. كلها مظاهر تكشف خلل في سلم الأولويات ،إنّ خطورة هذه الظواهر لا تكمن في حدوثها كحالات فردية، بل في تحولها مع الزمن إلى ثقافة عامة تعيد إنتاج نفسها عبر الأجيال ،فينشأ جيل يرى الاستعراض معيار للقيمة، ويُطبع على التبعية للمظاهر الزائفة، حتى تصبح الأصالة استثناء، والسطحية قاعدة.
ومع ذلك، تظل السعادة الحقيقية حق مشروع والمظاهر الزخرفية مقبولة ، لكن قيمتهما الحقيقية تتجلى فقط حين تبقى ضمن إطار المعنى. فالمعركة الحقيقية ليست في الأشياء ذاتها، بل في وعي الإنسان معركة صون القيم التي تمنح له وزنه وكرامته، وتضفي على حياته عمق يتجاوز مجرد المظاهر العابرة.
وخاتمة القول .. لنتذكّر إشارة صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال إلى الوليمة التي أقيمت مؤخراً ولقيت رواجًا في وسائل التواصل، مبديا عدم رضاه عنها لمخالفتها ما تم الاتفاق عليه، ومؤكداً أن المبالغة في مثل هذه الأمور تُزعج الفقراء وتُحرج غير القادرين، وأنها درس يجب أن لا يتكرر.