منوعات

سوسيولوجيا الشباب المغربي في إطار تعديل قانون الأسرة وتأثيراته على مشروع الزواج#سوسيولوجيا #الشباب #المغربي #في #إطار #تعديل #قانون #الأسرة #وتأثيراته #على #مشروع #الزواج

7views

#سوسيولوجيا #الشباب #المغربي #في #إطار #تعديل #قانون #الأسرة #وتأثيراته #على #مشروع #الزواج

يشكل الزواج إحدى أكثر المؤسسات الاجتماعية عرضة للتحول في المجتمعات الحديثة، ولا سيما في ظل التغيرات التشريعية والثقافية والاقتصادية التي مست بنية الأسرة ووظائفها. وفي السياق المغربي، جاء إصلاح مدونة الأسرة سنة 2004 تتويجا لحراك مجتمعي وحقوقي واسع، هدف إلى تحديث الإطار القانوني المنظم للعلاقات الأسرية بما يضمن العدالة والكرامة والمساواة بين الجنسين.لكن، ورغم الطابع التقدمي لهذا الإصلاح، يلاحظ أن تمثلات الشباب المغربي لمؤسسة الزواج لم تواكب هذا التغيير بنفس الوتيرة. إذ تظهر مؤشرات اجتماعية متواترة حالة من التردد، وأحيانا النفور، من الدخول في مؤسسة الزواج، مما يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول التوتر القائم بين النص القانوني والتمثل الاجتماعي، وحول الأثر الفعلي لإصلاح مدونة الأسرة في تشكيل وعي الشباب من الجنسين إزاء الزواج. جاءت مدونة الأسرة الجديدة محملة بعدد من المبادئ المؤسسة، من بينها تكريس مبدأ المساواة، وتمكين المرأة من حق الولاية، وتقييد تعدد الزوجات، وإقرار الطلاق القضائي المتوازن، وتحديد سن الزواج في 18 سنة لكلا الجنسين، إضافة إلى تعزيز حقوق الحضانة والنفقة والنسب.غير أن هذا التحول التشريعي، رغم أهميته، لم يكن كافيا لتغيير الأنماط الثقافية والاجتماعية الراسخة. فالتشريع، حسب ماكس فيبر، يمثل أحد أشكال السلطة العقلانية، لكنه لا ينجح في فرض نفسه ما لم يتم ترسيخه داخل البنية الثقافية والرمزية للمجتمع. ومن هنا برزت إشكالية التلقي الاجتماعي للمدونة، خصوصا في صفوف الشباب، الذين أبدوا مواقف متباينة، تكشف عن صراع خفي بين وعي قانوني ناشئ وتمثلات اجتماعية تقليدية. تشير التقارير الميدانية إلى أن الشباب المغربي يتعامل مع مؤسسة الزواج من منطلقات جديدة، تؤشر على تحولات عميقة في نمط التفكير والسلوك الاجتماعي، ففي صفوف الذكور، يلاحظ تزايد في تمثلات تتسم بالريبة من الزواج، يرجعها كثيرون إلى ما يعتبرونه انحيازا قانونيا للمرأة، وتحجيما لسلطة الرجل داخل الأسرة. يقرأ هذا الموقف في ضوء ما يسميه بيير بورديو بـفقدان الامتياز الرمزي، حيث يصبح الذكر في وضع تفاوضي جديد، تتراجع فيه معالم الهيمنة الذكورية.أما لدى الإناث، فتسود تمثلات تحمل طابعا تطلعيا حيث ينظر إلى الزواج كشراكة قائمة على الاحترام المتبادل والعدالة داخل العلاقة، لكن هذا التصور يصطدم بدوره مع بنى مجتمعية محافظة تعيد إنتاج التراتبيات الجندرية من خلال الأسرة والمدرسة والإعلام.هكذا، يعيش الشباب من الجنسين حالة من التموضع الرمزي المتردد، حيث لا تقبل المؤسسة الزوجية بالشكل التقليدي، ولا تعاد بناؤها بشكل حداثي واضح. فتظهر ازدواجية في الخطاب والموقف، تتجسد في تأجيل الزواج، أو عزوف صامت عنه، أو إعادة تعريف شروطه ومقاصده.إن التحول في التمثلات لا يفهم خارج السياق البنيوي الذي يعيشه الشباب المغربي: بطالة مرتفعة، صعوبات اقتصادية، هشاشة سكنية، ضغط اجتماعي. كل هذه العوامل تجعل من الزواج مشروعا معقدا، يتطلب شروطا تتجاوز القدرة الفردية.تظهر الإحصائيات الرسمية ارتفاعا مطردا في سن الزواج، وتناميا في نسب الطلاق، وتراجعا في الإقبال على الزواج المبكر. كما يلاحظ تزايد في أنماط من العلاقات غير المؤطرة مؤسساتيًا، كتجارب الزواج العرفي، أو الشراكات العابرة، ما يدل على تفتت تدريجي للنموذج الأسري التقليدي.في هذا الإطار، يغدو الزواج مؤسسة رمزية لم تعد تضمن المعنى والهوية كما في السابق، بل أصبحت، في كثير من الأحيان، مصدر قلق وجودي وهشاشة اجتماعية. لفهم هذا التوتر، نستحضر أدوات تحليلية من سوسيولوجيا بيير بورديو، حيث يشير إلى أن أي إصلاح قانوني ينتج تحولات في الحقل (أي منظومة العلاقات والمصالح)، لكنه لا يضمن تغيير الهابيتوس (أي البنيات الذهنية والثقافية المتجذرة). وهذا ما نلاحظه بوضوح في حالة مدونة الأسرة كنص قانوني جديد مقابل تمثلات جماعية مقاومة.المدونة هدفت إلى إعادة توزيع السلطة داخل الحقل الأسري، لكن الهابيتوس الذكوري، الذي ترسخ عبر أجيال، لا يزال يقاوم هذا التغيير، أحيانا عبر التمثلات، وأحيانا عبر سلوكيات ملتوية تتحايل على القانون، كاستعمال الطلاق للضغط، أو الالتفاف على شروط التعدد، أو فرض الولاية الأسرية رمزيا.يظهر تحليلنا أن إصلاح مدونة الأسرة، رغم كونه إنجازا قانونيا، لم يتحول إلى ممارسة مجتمعية راسخة، بسبب فجوة بين التشريع والتمثل. فالشباب المغربي يتفاوض اليوم مع الزواج من موقع جديد، يجمع بين التطلع إلى المساواة والكرامة، والخوف من الهشاشة والقيود.ولذلك، فإن أي إصلاح قادم يجب ألا يختزل في تعديل بنود قانونية، بل ينبغي أن يُصاحب بـتحول ثقافي من خلال التربية والإعلام والخطاب الديني؛ مع تمكين اقتصادي حقيقي للشباب كشرط لتحقيق الاستقلال والزواج المسؤول؛ تسبقه مرافقة سياساتية داعمة للتحولات في بنية الأسرة ووظائفها الجديدة.هكذا فقط يمكن للزواج أن يستعيد معناه كمشروع حياة، لا كمجرد التزام قانوني، أو عبء اجتماعي. ملحوظة هامة: التقارير والاحصاءات مستمدة من تقارير كل من المندوبية السامية للتخطيط (2021). تقرير حول الشباب والانتقال الاجتماعي. والمجلس الوطني لحقوق الإنسان 2019 (15سنة على مدونة الأسرة): أي واقع؟

Trip.com WW

Trip.com WW

Leave a Response