باريس ولندن يبدأان فصلاً جديداً بعد سنوات من التوتر في العلاقات#باريس #ولندن #يبدأان #فصلا #جديدا #بعد #سنوات #من #التوتر #في #العلاقات

#باريس #ولندن #يبدأان #فصلا #جديدا #بعد #سنوات #من #التوتر #في #العلاقات
عندما التقى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض خلال فبراير الماضي، سلّمه رسالة من الملك تشارلز الثالث، تدعوه إلى زيارة رسمية للمملكة المتحدة. غير أن أول زيارة دولة يستضيفها الملك هذا العام لن تكون لترامب، بل ستكون للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم غدٍ الموافق الثامن من يوليو، برفقة زوجته بريجيت، في زيارة ذات طابع رمزي بارز، سيتم خلالها استقبالهما بحفاوة في قصر ويندسور. الزيارة تعكس تحسناً ملحوظاً في العلاقات بين لندن وباريس بعد سنوات من التوتر والفتور منذ تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2016. فقد ساد الاعتقاد لدى البريطانيين أن ماكرون سعى إلى معاقبتهم على قرار الانفصال، فيما رأى الفرنسيون في بريطانيا شريكاً غير موثوق، خصوصاً بعد أزمة صفقة الغواصات الثلاثية «أوكوس» بين أستراليا وأميركا وبريطانيا، والتي ألغت عقداً فرنسياً مع أستراليا. حتى أن العلاقات الدبلوماسية وصلت حد التوتر العلني، عندما تجنبت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تروس، تحديد موقفها من ماكرون، متسائلة عمّا إذا كان «صديقاً أم خصماً». لكن تلك المرحلة بدأت بالانتهاء في عام 2023 بعد سنوات من الجفاء، مع استئناف الاجتماعات الثنائية، وتبادل الزيارات الرسمية بين لندن وباريس، ومنها عشاء ملكي في قصر فرساي، حيث ألقى فيه الملك تشارلز خطاباً جزئياً باللغة الفرنسية، ما أعاد الدفء إلى العلاقات. تجاوز الخلافات زيارة ماكرون إلى لندن ستتضمن خطاباً أمام البرلمان البريطاني، في تأكيد لرغبة الطرفين في تجاوز الخلافات السابقة، وتعزيز «الوفاق الودي» الممتد تاريخياً. ويأتي هذا التقارب في ظل متغيّرات سياسية واستراتيجية، أبرزها تولي ستارمر رئاسة الحكومة البريطانية، وهو معروف بموقفه المناهض لاتفاقية «بريكست» (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، وتواصله المبكر مع ماكرون قبل الانتخابات العامة بوقت طويل. وعلى الرغم من اختلاف الشخصيتين، حيث إن ستارمر متحفظ ومحامٍ بطبعه، وماكرون ديناميكي ومفكر، فإنهما يواجهان تحديات داخلية مماثلة، ويدركان أهمية التنسيق الثنائي في الملفات الكبرى، لاسيما مع عودة ترامب إلى المشهد السياسي الأميركي. هذا الأمر دفع بريطانيا وفرنسا، على اختلاف توجهاتهما التقليدية، إلى التقارب من أجل تحصين الأمن الأوروبي. وقال السفير البريطاني السابق في باريس، لورد ريكيتس، إن «العلاقات الثنائية هي بالتأكيد في أفضل حالاتها منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي». الدفاع والأمن وسيتعلق الجزء الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية في لقاء القمة بين الزعيمين البريطاني والفرنسي، بقضية الدفاع والأمن في أوروبا، في ظل صعود الإنفاق الدفاعي الألماني وتنامي النفوذ البولندي. وكون بريطانيا وفرنسا، هما الدولتان الوحيدتان النوويتان في أوروبا، كما أنهما الدولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن الدولي، فإنهما ستناقشان التعاون الوثيق فيما يتعلق بموضوع الردع النووي، وذلك مهما كان صعباً من الناحية العملية، فردع بريطانيا يحظى بالمساعدة من حلف شمال الأطلسي «الناتو»، فيما ردع فرنسا تقوم به على نحو مستقل. وسيتم تحديث وتعزيز معاهدات «لانكستر هاوس» الدفاعية، التي مضى عليها الآن 15 عاماً، حيث تنص هذه المعاهدات على أن أي تهديد «للمصالح الحيوية» لإحدى الدول الأوروبية هو تهديد لمصالح الأخرى. ويسعى الرئيس الفرنسي، الحريص على إعادة ربط بريطانيا بأوروبا في مجال الأمن، إلى تكثيف الجهود المشتركة لتحسين أمن القطب الشمالي ومنطقة البلطيق، حيث تعمل بريطانيا وفرنسا بالفعل معاً كجزء من قوة «الناتو» في إستونيا. أوكرانيا وفيما يتعلق بأوكرانيا، وبعد خيبة الأمل التي حدثت في قمة «الناتو» الأخيرة، حيث بالكاد تم ذكر الموضوع الأوكراني خلال القمة، يريد ستارمر وماكرون إعادة تأكيد دعمهما لأوكرانيا في حربها مع روسيا. ويقود ستارمر وماكرون جهوداً لتشكيل قوة تعمل على طمأنة أوكرانيا، وسيعمل الزعيمان على ترؤس لقاء آخر بصورة مشتركة من أجل هذا الهدف في مقر القيادة العسكرية في نورثوود، في لندن يوم 10 يوليو الجاري. ولن يتم إرسال هذه القوة إلا في حال التوصل إلى وقف إطلاق نار مع روسيا، وهو أمر لا يبدو وشيكاً، لكن هذا الجهد يُظهر استعداداً من الجانبين للتفكير بشكل مختلف بشأن الأمن الجماعي. التقارب بين بريطانيا وفرنسا طال أيضاً المؤسستين العسكريتين، حيث وصفت العلاقة بين قادة القوات المسلحة في البلدين بأنها «شراكة إيجابية»، فيما يجري تنسيق عالٍ بين أجهزة الاستخبارات. نقاط خلاف وعلى الرغم من كل تلك الروابط، فإن هناك نقاط خلاف لاتزال موجودة، أبرزها الخلاف حول مشروعات الدفاع المشتركة، والقيود المفروضة على وصول بريطانيا إلى ميزانية مشتريات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى القلق في باريس من تراجع الدعم البريطاني للاعتراف المشترك بدولة فلسطينية، وهو ما يدعو إليه ماكرون. كما أن هناك استياء في لندن من فوز فرنسا بتمديد طويل لحقوق الصيد كجزء من اتفاقية بريطانية أوروبية حديثة. والأهم من ذلك كله، تشعر بريطانيا بالاستياء لأن فرنسا لا تبذل جهداً أكبر لمنع المهاجرين من ركوب القوارب الصغيرة على ساحلها الشمالي، رغم القواعد الجديدة التي تسمح للشرطة الفرنسية بالتدخل في المياه الضحلة. ووصلت عمليات عبور المهاجرين إلى رقم قياسي جديد في النصف الأول من عام 2025، في وقت تثير صور رجال الشرطة الفرنسيين وهم يراقبون من الشواطئ، انطلاق الزوارق الصغيرة، غضب بريطانيا. روابط قوية لكن رغم هذه التحديات، فإن الروابط بين البلدين تبدو أقوى من أي وقت مضى منذ «بريكست»، وقال مجتبى رحمن من شركة «يوراسيا» العاملة في مجال استشارة المخاطر: «ما تم إنجازه خلال عام مثير للإعجاب حقاً». ويبدو أن الرأي العام في تقارب أكبر أيضاً، حيث أظهر استطلاع حديث أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث، أن 62% من الفرنسيين و65% من البريطانيين، أيدوا فكرة تطوير قدرة ردع نووي أوروبية مستقلة عن الولايات المتحدة. وعلى الرغم من صعوبة تحويل الأقوال إلى أفعال، خصوصاً في ظل الحاجة إلى تمويل مشروعات أمنية كبرى، فإن التفاهم المتزايد بين باريس ولندن يبعث على الأمل بمرحلة جديدة من التعاون الفاعل، مدفوعاً برغبة سياسية مشتركة لحماية أمن أوروبا واستقرارها. وبمجرد انتهاء احتفالات لندن بماكرون وتوجه بريطانيا وفرنسا إلى العمل الجاد، فستواجهان مهمة شاقة لتطبيق كل هذه الأفكار، لكنهما على الأقل ستحاولان القيام بذلك، على نطاق واسع، جنباً إلى جنب. عن «الإيكونوميست» أول زيارة بعد «بريكست» أفاد قصر الإليزيه بأن زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون إلى لندن ستكون «أول زيارة دولة للمملكة المتحدة يقوم بها رئيس دولة في الاتحاد الأوروبي منذ (بريكست)»، في إشارة إلى خروج بريطانيا من التكتل بعد استفتاء جرى عام 2016. وقال: «إنها الأولى منذ أشار رئيس الوزراء كير ستارمر إلى ما وصفه (إعادة إطلاق العلاقات بين المملكة المتحدة وأوروبا)». وشهدت العلاقة السياسية بين باريس ولندن توترات في أعقاب «بريكست»، وذلك في عهد الحكومة السابقة اليمينية المحافظة في بريطانيا، لكنها تحسّنت نوعاً ما بعد تولي الحكومة العمالية برئاسة ستارمر السلطة، وبات البلدان الآن يقودان الجهود الأوروبية الرامية إلى تحقيق السلام في أوكرانيا. • مشروعات الدفاع المشتركة وحقوق الصيد وموضوع المهاجرين نقاط خلاف أساسية بين بريطانيا وفرنسا.