
#إسرائيل #المصغرة
اللحظة مخيفة وكاشفة، تستحق التوقف، وإعادة الحسابات بعمق شديد، قرأنا كثيراً عن مخططات وتصورات إسرائيلية في المنطقة، قرأنا وثائق، عرفنا شخصيات آمنت بتوسيع إسرائيل أبعد من فلسطين، كنا نرى أنها مجرد خيالات لا تستحق عناء الرد. عرفنا وثيقة عوديد يثون التي نشرتها مجلة «كفونيم»، العبرية التي قامت على تفتيت وتقسيم الدول العربية إلى «كانتونات» طائفية، وجعل إسرائيل هي القوى الأكبر والأهم في الشرق الأوسط، وقرأنا وثيقة جيورا إيلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، التي دعا فيها إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، والأردن، وسمعنا، وعرفنا أن ديفيد بن غوريون، كان يقول أينما تصل أقدام الجنود الإسرائيليين، فهى أرض إسرائيلية، وصاغ مفهوم الحائط الحديدي بين العرب وإسرائيل، وطالما قال المتطرفون الدينيون بمفهوم من النيل إلى الفرات، حتى إن بعض المحللين، كانوا يقولون: إنه مجرد خيال لا يوجد له أساس في السياسة الإسرائيلية. هذه مقدمة طويلة عن الصراع يعرفها كثيرون، لكن الإعلان الخطير من إسرائيل الكبرى، فهذه المرة جاء من أعلى سلطة سياسية في إسرائيل، وفى توقيت بالغ الخطر إقليمياً وعالمياً، هذا الإعلان جاء على لسان بنيامين نتنياهو، في القناة «i24» العبرية، بأنه في مهمة «دينية روحية»، لإنشاء إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. هنا يكمن الخطر، يؤكد أن ما اطلعنا عليه من أدبيات صهيونية كان صحيحاً، فنتنياهو كحاكم سياسي وشرعي لإسرائيل، يؤكد أن المسألة أبعد من فلسطين، وتمتد إلى أنحاء الشرق الأوسط، لتنال من سيادة دول عربية، وتهدد المنطقة، والإقليم بالكامل، وتنذر بأخطار كبرى، ربما تطول الاستقرار الدولي الكامل. إن خريطة أفكار نتنياهو، وحكومته المتطرفة، يجب أن تؤخذ بجدية فائقة، فهو يريد تهشيم وتمزيق الاتفاقيات التي يحصنها القانون الدولي، الذي يحفظ سيادة وحدود الدول. منذ توقيع العرب على اتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، بدءاً من اتفاقيات الهدنة في جزيرة رودس خلال، عام 1949، مروراً بكل الاتفاقيات التي جرت خلال السبعينات، والتسعينات، وحتى الآن، فإنها بالنسبة لنتنياهو مجرد تغطية على النيات الحقيقية التي تنكشف الآن. من المعروف أن هذه الاتفاقيات، تخضع للقانون الدولي، ووقعت عليها إسرائيل، وهى تعرف وتعلم أن الاعتراف بها بصفتها دولة في الشرق الأوسط من قبل العرب والعالم، مرهون بالاعتراف بدولة فلسطين، وهذا ما نص عليه القرار 181 لسنة 1947، الذي يدعو إلى إنشاء دولة يهودية إلى جوار دولة عربية، وهو ما لم تعترف به إسرائيل إلى الآن، فقد نشأت هي نفسها بقرار دولي، وأغلقت وراءها الباب في الاعتراف بأي قرارات دولية، خاصة بالصراع بدءاً من قرار 194، لسنة 1948، الذي نص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، الذين فروا منها عقب الحرب، وأيضاً قرار 242 لعام 1967، الذي نص على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عقب عدوان الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967 وإقامة السلام. إذا وصلنا إلى لب القصيد، فإن العالم العربي، اعترف بوجود إسرائيل شرط أن تكون هناك دولة فلسطينية، وعلى هذا الأساس تبنت قمة بيروت العربية عام 2002، المبادرة العربية، التي نصت على الأرض مقابل السلام، ومع ذلك لم تجد آذانا مصغية في إسرائيل، التي ملأت التاريخ والجغرافيا ضجيجاً، بأنها محاصرة، وخائفة، وأنها الديمقراطية الوحيدة بين أحراش ديكتاتورية، وتطالب الغرب، بحمايتها من المتوحشين. لكنها الآن تكشف عن أعصابها العارية، وتؤكد على مشروع استيطاني خطير، يريد أن يشعل حريقاً هائلاً في أطراف خرائط العالم، فلا يمكن أن يقبل العرب بأن تقود إسرائيل زمام الأمور في المنطقة، وتتصرف كقوة عظمى، رغم أن نتنياهو، صاحب التصريح الخطير، يعلم ويدرك أنه لولا الولايات المتحدة، وأوروبا، ما صمدت إسرائيل في أي معركة مع فصيل صغير. لكن غرور الخرافة، دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي، ليداعب خيال المتطرفين من الحريديم، والتلموديين، بفكرة جنونية، من أجل أن يصبح «ملك إسرائيل المتوج»، ويستلهم من بطن التاريخ أفكار الصهيوني المتطرف زئيف جابوتينسكي، صاحب نظريات التوسع، وقيادة اليهود للشرق الأوسط، بل العالم، بالفعل قد سمعنا أكثر من مرة، تصريحات نتنياهو عن هذه الأحلام التوسعية، ورأيناه وهو يرفع خريطة الشرق الأوسط في سبتمبر (أيلول) عام 2023 في الأمم المتحدة، وكررها أيضاً في المكان نفسه العام الماضي. لولا وقوع الحرب العالمية الثانية عام 1939، لتغير وجه الجغرافيا والتاريخ، وما ظهرت فكرة «إسرائيل الكبرى»، والمعنى العام أن المجتمع الدولي، يعرف أن إسرائيل مجرد «دولة صغرى»، بنصوص القوانين والمواثيق الدولية، وأن عقدة الانتقال من إسرائيل الصغرى إلى إسرائيل الكبرى، ربما تقود المشهد إلى محرقة، يصعب إطفاؤها من قبل أي قوة عالمية. فقد أمسك نتنياهو، بالأسلاك العارية لخرائط الإقليم في لحظة نشوة طارئة، ولكن عليه أن يعيش الواقع ويدرك أن «إسرائيل الصغرى» وفق الشرعية الدولية هي التي يمكن قبولها، وليس أبعد من ذلك.